وسط أجواء مهيبة، نقل جثمان كريم آغا خان الرابع، الإمام التاسع والأربعين للطائفة الإسماعيلية، من العاصمة البرتغالية لشبونة إلى مدينة أسوان، حيث أوصى بأن تكون مثواه الأخير.
بدأت مراسم الجنازة من أمام مقبرة عباس العقاد، مرورًا بميدان الدكتور مجدي يعقوب، قبل أن يشق الموكب طريقه عبر المراكب النيلية إلى البر الغربي لنهر النيل، حيث دفن وفقا لوصيته.
لكن لماذا مصر تحديدًا؟ وما سر هذا الارتباط العميق الذي جعله يختار أسوان دون غيرها ليكون مكان راحته الأبدية؟
لا تفوّت قراءة: حين يصبح الغناء فلسفة حب: كيف اختصرت أم كلثوم دروس العلاقات في أغانيها؟
من هو الأمير كريم آغا خان الرابع؟
ولد الأمير كريم آغا خان الرابع في جنيف، سويسرا، وهو الإمام التاسع والأربعون للطائفة الإسماعيلية، إحدى الطوائف التابعة للإسلام الشيعي.
وتولى قيادة الطائفة لأكثر من ستة عقود، حيث يتبعه ما يزيد على 15 مليون شخص حول العالم.
وفي عام 2010، حصل على الجنسية الفخرية الكندية تقديرًا لجهوده في التنمية المجتمعية.
لكن دوره لم يقتصر على القيادة الدينية، بل كان أيضًا رجل رؤية، استثمر ثروته التي قدرت بـ13 مليار دولار في مشاريع تهدف إلى تحسين نوعية الحياة لأتباعه، خاصة في المناطق النامية، ما جعله شخصية بارزة في مجالات التنمية والاستثمار.
لا تفوّت قراءة: الرئيس العسكري يحكم لبنان: من هو جوزيف عون رئيس لبنان الرابع عشر؟
لماذا اختار كريم آغا خان مصر لتكون مثواه الأخير؟
لم يكن الأمير كريم آغا خان الرابع أول أفراد عائلته الذين يدفنون في مصر، فقد سبقه جده، السير سلطان محمد شاه آغا خان الثالث، الذي اختار مدينة أسوان ليكون مثواه الأخير.
يعود هذا الارتباط العائلي بمصر إلى قصة شفاء الأغا خان الثالث، الذي كان يعاني من الروماتيزم، ونصحه الأطباء بالسفر إلى أسوان للاستشفاء برمالها الدافئة.
وبالفعل، تعافى هناك، مما دفعه إلى بناء ضريح آغا خان على جبلٍ عالٍ يطل على نهر النيل، مستخدمًا الحجر الجيري الوردي، ليكون مرقده الدائم.
وصمم الضريح على الطراز الفاطمي على يد رائد العمارة الإسلامية الدكتور فريد شافعي، ليصبح تحفة معمارية فريدة.
وبعد وفاة الأغا خان الثالث، دفنت إلى جانبه زوجته البيجوم أم حبيبة، ليظل المكان شاهدًا على الارتباط العميق بين العائلة ومصر.
واليوم، تحول الضريح إلى مَعلم سياحي بارز، يجذب الزوار الذين يأتون لاستكشاف إرث عائلة آغا خان وعلاقتها التاريخية بأسوان، المدينة التي احتضنتهم في الحياة والممات.
في طريقي إلى الهند، زرت مصر للمرة الأولى. وأعتقد أن أولئك الذين لم يختبروا مصر من قبل، والذين لم يحالفهم الحظ بالوقوع تحت سحرها، سيجدون صعوبة في إدراك السحر الخالص الذي ينتابهم عند رؤيتهم لمصر لأول مرة
الآغا خان
هذه الكلمات تعكس مدى ارتباط الآغا خان بمصر، حيث وصفها بأنها بلد ساحر ترك أثرًا عميقًا في قلبه منذ زيارته الأولى.
ولم تكن مصر مجرد محطة عابرة في رحلاته، بل أصبحت وجهة مفضلة يعود إليها كلما سنحت الفرصة، وهو ما يفسر اختياره لها لتكون مثواه الأخير.
كانت رؤيتي الأولى لمصر في يوم مثالي من أيام الشتاء المبكرة، ولابد أن أقول إنني منذ ذلك الحين ظللت أحمل في قلبي مكانة خاصة لمصر، وأنني كنت أعود إليها كلما سنحت لي الفرصة
الآغا خان
كلامه يحمل دلالة واضحة على العلاقة العاطفية والروحية التي نشأت بينه وبين أسوان تحديدًا، تلك المدينة التي منحته الشفاء من مرضه وأسرته بجمالها وهدوئها، ما جعله يحتفظ لها بمكانة خاصة في قلبه.
لا تفوّت قراءة: واقعة أسد الفيوم ليست الوحيدة: لماذا تفترس الأسود أصحابها وحراسها؟
ارتباط روحي تُرجم إلى إنجازات تنموية في مصر
لم يكن ارتباط الأمير كريم آغا خان بمصر مجرد مشاعر عابرة، بل ترجم إلى مشروعات تنموية وأعمال خيرية تركت بصمة واضحة، خصوصًا في مجالي ترميم الآثار الإسلامية والتنمية المجتمعية.
إحياء التراث الإسلامي وترميم الآثار
ساهمت مؤسسة آغا خان للثقافة في إعادة الحياة لعدد من المواقع الأثرية المهمة، من بينها:
- السور الأيوبي الممتد على 1.5 كيلومتر، والذي يعود تاريخه إلى عهد صلاح الدين الأيوبي.
- ترميم مجموعة خاير بيك الأثرية ومسجد ومدرسة أم السلطان شعبان.
- إعادة تأهيل الجامع الأزرق (أق سنقر)، وأثر طراباي الشريفي.
إنشاء حديقة الأزهر.. رئة خضراء في قلب القاهرة
أنشأ حديقة الأزهر، واحة خضراء مستدامة وسط القاهرة التاريخية، لتحسين البيئة ورفع جودة الحياة لسكان المنطقة.
تمكين المجتمع المحلي في الدرب الأحمر
لم تقتصر مساهمات الأمير آغا خان على الحفاظ على التراث، بل شملت دعم الحرفيين من خلال مشروعات لتدريب سكان الدرب الأحمر.
وركزت هذه المشروعات على الحرف التقليدية مثل صناعة الحُلي، الخزف، والنجارة العربية، ما وفر للسكان فرص عمل مستدامة.
تحسين مستوى المعيشة في أسوان
وفي أسوان، دعمت شبكة آغا خان التنمية بتحسين الخدمات الصحية والمعيشية، وإطلاق مشروعات القروض المتناهية الصغر لدعم الأسر الأكثر احتياجًا.
من خلال مشاريعه التنموية وحماية التراث، لم يكن الأمير كريم آغا خان مجرد زائر، بل شريكًا أساسيًا في نهضة مصر.