شهدت مصر خلال الأعوام القليلة الماضية تحوّلًا ملحوظًا في إنتاج الموسيقى، وكان جزءًا أساسيًا من هذا التحول هو بداية الراب في مصر وصعوده غير المتوقع.
ومع ظهور أنماط موسيقية جديدة مثل “الراب” و”المهرجانات”، بدا واضحًا أن الذائقة الجماهيرية تتغير بسرعة، وأن الفنون المستوردة تتحول تدريجيًا إلى مشهد محلي له جذوره.
ومع أن بداية الراب في مصر لم تكن قوية، بل واجهت رفضًا كبيرًا ونظرة دونية، فإن السنوات الأخيرة أثبتت تغيرًا جوهريًا؛ إذ أصبح الراب اليوم من أكثر الاتجاهات انتشارًا وتأثيرًا في المجتمع المصري، بعد عقود من التجارب البسيطة والتطور البطيء.
وتكشف بداية الراب في مصر عن رحلة طويلة بدأت في أواخر التسعينيات، متوازية مع تطورات الإنتاج العالمي، حيث ظهر الراب محليًا كفن مستقل بأدوات متواضعة، قبل أن يفرض نفسه في النهاية على الساحة الموسيقية.
لا تفوّت قراءة: مسلسلات الـ15 حلقة في رمضان 2026.. موسم درامي مكثف بأحداث سريعة وتشويق بلا توقف
الشرارة الأولى لبداية الراب في مصر.. تجارب نهاية التسعينيات
ظهرت أولى محاولات الراب عام 1998 مع فريق واي كرو، ثم إم تي إم وعدد آخر من الأفراد، باستخدام إمكانات تسجيل بسيطة جدًا.
في عام 2003 حصلت إم تي إم (تاكي، محمود، مايكي) على تصريح لإصدار ألبوماتها، وحقق الألبوم الأول نجاحًا كبيرًا، خصوصًا أمي مسافرة
وبعد ذلك… توقف طويل أصدر الفريق ألبومه الثاني(تليفوني بيرن) عام 2004، ثم توقف أكثر من عشر سنوات بسبب خلافات مع شركة الإنتاج.
لا تفوّت قراءة: خريطة مسلسلات رمضان 2026.. من يتصدر المشهد في الدراما العربية؟
إنتاج بطيء للراب… ورفض طويل
ظل إنتاج الراب في مصر بطيئًا مقارنة بالعالم، ولم يجد مناخًا مناسبًا للانتشار، بل قوبل بالرفض والتقليل لفترة طويلة.
مع نهاية العقد الأول من الألفية، بدأ الراب ينتشر عبر الإنترنت واليوتيوب، رغم بطء الشبكة وتوفرها المحدود للشركات أو شبكات الوصلات الشعبية.
وفي تلك المرحلة كانت سوق الموسيقى تحت سيطرة عالم الفن وفري ميوزيك، مما صعّب دخول الراب إلى الصناعة الرسمية.
لا تفوّت قراءة: أغاني الخريف.. حين غنّت فيروز وعبد الحليم لوداع الصيف
أحمد مكي… انتقال الراب إلى الجمهور العام
في هذه الأثناء بدأ يظهر جيل جديد من المحاولات الفردية، من أهمها تجربة أحمد مكي التي بدأت سنة 2005 داخل أعماله الفنية.
قدم مكي الراب بشكل مختلف، مبتعدًا عن مشهد الأندرغراوند” ومقتربًا من الجمهور العام عبر السينما والتلفزيون.
ظهر الراب في فيلم الحاسة السابعة ومسلسل تامر وشوقية، قبل أن يصدر مكي أغنيات فردية مثل جدعان طيبين وفيسبوكي وأغنياته السياسية ومباراة مصر والجزائر.
وتوّج هذه التجربة بإصدار ألبومه الشهير أصله عربي عام 2012، الذي قدّم من خلاله رؤية خاصة لأصل الراب، مستخدمًا قصيدة الفرزدق ومؤثرات صوتية توحي بانتقال الشعر العربي إلى أمريكا.
لا تفوّت قراءة: أماكن سياحية منسية لم تسمع عنها من قبل.. اكتشف سحر مصر المخفي في 8 وجهات مذهلة
نزعة أخلاقية في راب أحمد مكي.. شخصية الأخ الناصح
على مدار تقديمه للراب ظهرت في أعمال مكي نزعة أخلاقية مباشرة، خصوصًا بعد انتقاله لمرحلة عمرية جديدة، مقدّمًا نفسه كـ”الأخ الأكبر”
أغنية وقفة ناصية زمان قدمت صورة مثالية للماضي، رغم معرفة الجمهور أن لكل زمن عيوبه ومشكلاته.
لا تفوّت قراءة: ما الجديد في السينما؟ أفلام نوفمبر 2025 لا تفوتها هذا الشهر
موجة محاولات جديدة… الحسيني والفيشاوي وزاب ثروت
في بفترة بدايات مكي ظهرت تجربة حسام الحسيني من خلال فريق أربيان نايتس الذي كان يؤدّي الراب بالإنجليزية، لكنه لم يحقق صدى جماهيري بسبب البُعد عن الثقافة المحلية.
كما ظهر أحمد الفيشاوي عبر فريق الفراعنة مقدمًا تجارب بسيطة بدأت منذ مراهقته في وسط البلد مع مجموعة من أصدقائه مع كريم وبيجاد وحسام.
أما زاب ثروت فبدأ من خلال أغنية كفاية عام 2009، قبل أن ينضم إلى حفلات الإندي في ساقية الصاوي ويشارك فريق كايروكي في أعمال متعددة، مقدّمًا نوعًا من الراب الهادئ المرتبط بالقضايا الاجتماعية والإنسانية.
لا تفوت قراءة: لا تبحث كثيرا.. أجمل 5 وجهات مصرية لقضاء إجازة شتوية مميزة لعشاق الطبيعة والهدوء
الإنترنت يفتح الأبواب… والراب يدخل السينما
مع انتشار الإنترنت بعد 2010 تغير المشهد الثقافي المصري، وظهر الراب في الأفلام بشكل لافت، ظهر الراب في فيلم ورقة شفرة عام 2008، وهو أول عمل لشيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي.
ثم ظهر مع أحمد مكي في السينما في فيلم إتش دبور بأغنية جدعان طيبين، ليدخل الراب إلى جمهور أوسع.
وبعد ذلك في عام 2010 قدّم فيلم ميكروفون مطربي الراب الشباب مثل شاهين من واي كرو، وفتح الباب للمشهد المستقل.
والأهم من ذلك قدم محمد هنيدي وماجد الكدواني رابًا في إعلانات، وأصدر جابر القرموطي أغنية ست فوق الأربعين عام 2021.
لا تفوّت قراءة: اكتشفي أسرار الشفاه اللامعة.. أفضل 8 براندات محلية لشراء Lip Gloss
من 2018 إلى 2021.. بداية ظهور ويجز ومروان بابلو
من 2018 إلى 2021 ظهر ما يمكن تسميته بالجيل الذهبي للراب المصري. هنا ظهر فنانون مثل مروان بابلو، وويجز، وأبو الأنوار، وشاهين، وباتستوتا، وعفروتو، وموديف، وغيرهم.
ظهرت مدرسة جديدة في الفلو، واللغة، واللعب الصوتي، وتبنى الجيل الجديد أساليب الموسيقى العالمية مثل الـ Trap والـ New Wave.
أصبح للراب المصري هوية مختلفة تعتمد على مفردات جديدة، خليط بين العامية المصرية والإنجليزية، ونبرة تمرد واضحة، وثقافة واثقة من نفسها خلقت جمهورًا ضخمًا يتابع التفاصيل الدقيقة بين الرابرز كأنها مباريات. صار الراب لأول مرة ثقافة شعبية لا مجرد موسيقى.
ومع بداية 2021 دخلت شركات البث العالمي مثل Spotify وAnghami وYouTube Music على الخط، وقدمت قوائم خاصة للراب المصري وبدأت تتعامل معه كنوع موسيقي مستقل له جمهوره.
دخل الراب أيضًا إلى الدراما الرمضانية، وظهر في أعمال شهيرة، وصار جزءًا من الإنتاج الثقافي المصري. وعندما امتزج مع المهرجانات في بعض الفترات، نشأت موجة جديدة تجمع بين الاثنين، مما زاد الانتشار أكثر.

