الكنز الصحراوي في المملكة: كيف اعتنى ملوك السعودية بالإبل عبر التاريخ؟

الإبل، رمز الصحراء العريق، تمثل جزءًا أساسيًا من هوية الشعب السعودي وثقافته منذ العصور القديمة.

ومع تأسيس المملكة، أولى الملوك اهتمامًا خاصًا بالإبل كجزء من تراث الوطن وثروته الحيوانية.

لم يقتصر الأمر على الحفاظ عليها كرفيق الصحراء وصاحب الرحلة، بل شمل دعمها بتأسيس مزارع حديثة وتنظيم مهرجانات مذهلة ومشاركتها في الاحتفالات مع الشعب السعودي مما يعزز من مكانتها.

لم يكن الاهتمام الملكي بالإبل مجرد حفاظ على سلالة حيوانية، بل كان تعبيرًا عن تقدير عميق لتراث الأمة وتاريخها، ما جعل المملكة تواصل إرثها بعناية وحرص كبيرين.

وبذلك، بقيت الإبل شاهدًا على عراقة الشعب السعودي، في وقت تتجدد فيه قيم الأصالة والافتخار، مؤكدين بذلك أن الإبل ليست مجرد حيوان، بل جزء من هوية وقصة الشعب السعودي.

آخر هذه المهرجانات، كان مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في نسخته التاسعة في أرضد الصياهد تحت شعار “عز لأهلها”.

2024: عام الإبل

أطلقت وزارة الثقافة بالسعودية على 2024 عام الإبل. لم يكن هذا الاهتمام بموروث الإبل وليد اللحظة، بل رحلة بدأها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

الإبل ليست مجرد حيوانات رعي في حياة السعوديين؛ فهي رمز للقوة والصبر والتحمل، وارتبطت بتاريخ المملكة منذ الجاهلية.

في الصحراء الشاسعة، كانت الإبل الوسيلة الوحيدة للتنقل عبر الكثبان الرملية، وكانت أيضًا مصدرًا أساسيًا للغذاء واللبن.

بفضل هذه الأهمية، نالت الإبل مكانة خاصة في الثقافة السعودية والعربية، وأصبحت جزءًا من التراث والهوية.

هذا الرباط العميق بين الإبل والشعب يعكس قيمة الصبر والإرادة، ويجسد أصالة الشعب السعودي عبر التاريخ.

الملك عبدالعزيز آل سعود: إبل شريك أساسي في بناء الدولة

رغم انشغال الملك عبدالعزيز بتأسيس المملكة، لم يغفل الملك عبد العزيز عن إبله أبدا.

اعتبرت الإبل من أولويات الرعاية في فترة تأسيس المملكة، حيث كانت تلعب دورًا حيويًا في تحركات الجيش السعودي وتوسيع رقعة المملكة.

كان الملك عبد العزيز مولعًا بالإبل، وكان يحب أن يكون محاطًا بها أثناء رحلاته عبر الصحراء، حيث اعتبرها شريكًا أساسيًا في معركة بناء الدولة.

عين الملك عبدالعزيز لإبله ما يقرب من تسعين راعيًا للاهتمام بها. كما كان يوزع إبله “ريمات” على المواطنين بحسب احتياجاتهم، ويخصص لها مناطق واسعة من المملكة.

الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، كان معروفًا بحبّه العميق للإبل واهتمامه البالغ بها منذ صغره.

الملك عبدالعزيز آل سعود: من لا يُنصف بعيره لا يُنصف الناس

أصدَر أمرًا يقضي بأن يُسلم من يعثر على إبل ضالة في الصحراء إلى الدرعية، حيث عُين “عبيد بن يعيش” مسؤولًا لجمعها ورعايتها.

وفي أحد الأيام، أثناء تواجده في مخيمه بالعقير، لاحظ جملًا مُرهقًا من التعب والحر الشديد قرب قافلة إبل. فطلب من صاحبه أن يتركه يستريح وأعاده برفق، قائلاً: “من لا يُنصف بعيره لا يُنصف الناس”.

الملك عبدالعزيز: من لا ينصف بعيره لا يُنصف الناس

اهتم الملك عبد العزيز بجمع نوادر الإبل، فكان يفصل بينها حسب الأنواع والألوان ويعين أفضل الرعاة لها.

وكانت “المصيحة” من أشهر هجن الملك، بفضل سرعتها وخفتها، في حين كانت ناقة “الدويلع” المفضلة لديه، تأتي عند مناداته باسمها.

ويمكن للمهرجان الذي يحمل اسمه أن يبرز القيمة السوقية للإبل في السعودية، والتي تقدر حاليًا بحوالي 13.3 مليار دولار.

الملك سعود بن عبدالعزيز: الذلول الشقراء

يُعرف عن الملك سعود أيضا بحبه الشديد بالإبل، حيث طلب من أهل الهجن مرافقة موكب سياراته الخاصة أثناء جولاته، وأخذ يشجعهم بأشعاره الجميلة.

وخلال الرحلة، أُبلغ الملك بأن هناك سباقًا لأهل الجيش، فرحب بالأمر ووعد بتكفل جوائز الفائزين.

وبينما كان يتابع السباق، جذبته ذلول شقراء بجمالها، فأدرك أنها ستكون الفائزة وسأل عن مالكها.

حينما انطلق السباق، أطلق الملك سعود “الفرد” كإشارة للبداية، وبالفعل فازت الذلول الشقراء، فأعطى الملك الجوائز لجميع المشاركين.

حتى من لم يفز منهم، كان الملك سعود يكرمهم ويشجعهم على المشاركة، مما يعكس حرصه على دعم الجميع.

كان لدى الملك إبل مميزة، معروفة بجودتها وسرعتها، وقد أسس العديد من المشاريع لتطوير سلالات الإبل، مما جعله من أبرز المهتمين بهذا المجال.

الملك فيصل بن عبد العزيز: كمامات خاصة للإبل

في عام 1394هـ / 1974م، قام الملك فيصل بتنظيم مهرجانات سباقات الهجن، مؤكدًا اهتمامه الكبير بهذا التراث العريق.

وفي عام 1404هـ / 1984م، أسس الملك فيصل مؤسسة سباق الهجن الملكية في الرياض، التي أصبحت من أشهر السباقات عالميًا.

وكانت الهجن تتدرب يوميًا وتوضع لها كمامات خاصة لمنع الإفراط في الأكل، مما يساعد في الحفاظ على رشاقتها ولياقتها.

كما حرص الملك فيصل على دعم مربي الإبل ورعاتها، حيث أصدر أمرًا ساميًا بتقديم إعانة نقدية لهم في اجتماع مجلس الوزراء عام 1394هـ.

كما رعى الملك فيصل رحمه الله أول سباق للهجن في نادي الفروسية بالرياض، بالتعاون مع الحرس الوطني.

الملك خالد: أول من استورد الإبل

اهتم الملك خالد بن عبد العزيز بتربية الإبل واقتناء أجودها، مما ساهم في نشر ثقافة رعايتها في المملكة.

وكان الملك خالد أول من استورد الإبل من الخارج، ليبدأ بتربية سلالة “الصميماء” التي تُعرف بالسلالة الملكية الفاخرة.

ومن بين هذه السلالة، جاءت سلالة “قطيوان” نسبة إلى طائر القطا الصغير سريع الحركة، بالإضافة إلى سلالة “الأخطل” التي تميزت بسرعتها العالية.

هذا الاهتمام يعكس حرص الملك خالد على تعزيز التراث ورعاية الإبل كجزء من الهوية الثقافية السعودية.

الملك فهد يحب الإبل الصافية غير الملونة

عرف عن الملك فهد بن عبد العزيز محبته للإبل وعروضها، فكان يستمتع بمشاهدتها ويبحث دائمًا عن السلالات العريقة.

في إحدى المرات، عرضت أمامه الرعايا الشهيرة مثل “الشرف” و”شبح أبوعظام”، فسأل عن الإبل الصافية غير الملونة.

أجابه الفريق محمد بن حمدان بأنها موجودة، فأمر بعرضها عليه، وأعجب الملك فهد بما رآه وقبلها كهدية.

في عام 1406هـ/1985م، أطلق الملك فهد المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي تطور ليصبح مؤسسة ثقافية سنوية هامة.

يستقطب المهرجان المفكرين والمثقفين لمناقشة القضايا الثقافية، ويشمل قرية للتراث الشعبي على أرض الجنادرية، ويواصل تنظيم سباق الهجن.

الملك عبدالله: رحلة انتقال الإبل للعالمية

كان الملك عبدالله رحمه الله مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالصحراء والإبل، فاعتنى بها وأقام لها مهرجانات واحتفالات خاصة.

خصص الملك عبد الله أماكن مثل مضامير الهجن والملاك وعزب المضمرين، مما أعاد الحياة لسباقات الإبل بأجواء حماسية.

في عام 1405هـ/1984م، عندما كان ولي العهد، شارك في المهرجان الوطني للثقافة والتراث الذي افتتحه الملك فهد رحمه الله.

وسع الملك عبد الله المهرجان ليصبح حدثًا ثقافيًا وأدبيًا، وأصبح تحت رعايته أيقونة ثقافية عالمية يترقبها الزوار سنويًا.

الملك سلمان: جائزة مزاين الإبل

في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، اتخذت المملكة خطوة هامة لتعزيز التراث الثقافي للإبل من خلال قرار مجلس الوزراء رقم 21.

القرار الذي صدر في 10 أكتوبر 2016، أقر تنظيم جائزة الملك عبد العزيز لمزاين الإبل.

الجائزة تهدف إلى مراعاة الجوانب الصحية والأمنية والثقافية في أنشطة الإبل، مما يعكس اهتمام المملكة بالتراث العريق.

في 13 إبريل 2017م، رعى الملك سلمان الحفل الختامي لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل، ليصبح حدثًا ثقافيًا واقتصاديًا ورياضيًا يروي تاريخ المملكة.

محمد بن سلمان: يمتلك إبل الشرف

يمتلك الأمير محمد بن سلمان مجموعة متنوعة من الإبل، بما في ذلك إبل الشرف، التي كانت جزءًا من إبل الملك عبد العزيز.

وقد جرى توثيق لقب “الشرف” كاسم لمنقية الأمير محمد بن سلمان على منصة “تمها” الإلكترونية، لتوثيق المنقيات في المهرجان.

لإبراز الثقافة والتراث السعودي، وجه الأمير محمد بن سلمان بتطبيق إجراءات تخدم الإبل وأهلها، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.

من ضمن هذه الإجراءات، إطلاق مهرجان الملك عبد العزيز للإبل وإنشاء نادي الإبل في 21 يوليو 2017 كرمز وطني يبرز أهمية الإبل.

لا تفوت قراءة: الجمعة السوداء: حيل تسويقية خبيثة تلجأ لها المتاجر لجذب العملاء

تعليقات
Loading...