المطبخ المصري لم يكن مجرد وصفات للطعام، بل ذاكرة حية تختزن حكايات عن العادات والتقاليد والهوية.
ومع مرور الزمن، بدأت بعض هذه الأكلات الشعبية تنزوي بعيدًا عن الأضواء، حتى باتت على وشك الانقراض، لا يعرفها الجيل الجديد إلا من روايات الكبار.
من النوبة إلى دلتا النيل، مرورًا بالصعيد والوجه البحري، تتنوع الوصفات بين ما هو مصري خالص الجذور، وما وفد من ثقافات أخرى ليصبح جزءًا أصيلًا من السفرة المصرية.
إنها أكلات منسية تحمل نكهة الماضي وروح التراث، وتنتظر من يعيدها إلى الحياة قبل أن تختفي تمامًا.
عيش الدوكة (السناسن) – خبز بطعم الذكريات

في قلب النوبة بأسوان، يعرف “عيش الدوكة” باسم “السناسن”، وهو واحد من أبرز المأكولات الرمضانية التي لا تستغني عنها السيدات النوبيات.
تحرص النساء على صناعته وتقديمه بكثرة في الشهر الكريم، ليس فقط للأسر المحلية بل وحتى للسائحين الذين يزورون القرى السياحية مثل قرية غرب سهيل.
يصنع من الدقيق الأبيض الخام المطحون، ويُضاف إليه الدقيق الشامي القادم من مدينة دراو، ثم يعجن بالماء والخميرة ويترك لمدة 30 دقيقة حتى يختمر. بعدها يخبز على “الدوكة”، وهي فرن صغيرة مسطحة مصنوعة من الحديد أو الصاج، تُفرد عليها طبقة رقيقة من العجين لتنضج خلال 90 ثانية فقط.
السناسن يشبه الكريب في شكله، لكنه يحتفظ بنكهة مميزة تجعله مختلفًا عن أي خبز آخر. ويمكن تناوله مع الملوخية، الشوربة، الويكة (البامية)، أو العدس.
لا تفوّت قراءة: من المسؤول عن تصدر مصر معدلات الولادة القيصرية عالميا.. أطباء أم أمهات؟
المخروطة – حلوى العائلة واللمة
المخروطة تعتبر الحلوى التقليدية الأبرز، إذ ارتبطت بتحضيرها طقوس عائلية مميزة. يتعاون الجميع في إعدادها بكميات تكفي الأسرة كلها. تصنع من خليط بسيط من الدقيق والماء والملح، ثم تُقطع شرائح رفيعة تشبه المكرونة أو الشعرية الصينية وتترك على أسطح المنازل لتجف قبل الطهي.
في الصعيد، تقدم المخروطة ممزوجة بالحليب والعسل الأسود لتعطي طاقة ومذاقًا غنيًا، بينما يفضل أهل الوجه البحري إضافة الزبدة والحليب والسكر البودرة والعسل الأبيض مع الزبيب والمكسرات لتصبح حلوى متكاملة في الطعم والقيمة الغذائية.
الجدير بالذكر أن منها صنف حادق، والذى يؤكل مع البط أو اللحوم بالأخص الضانى ، حيث يتم تقليته البصلة فى معلقة سمن بلدى وتطش بالشوربة وتوضع عليها اللحوم وتأكل .

لا تفوّت قراءة: مهرجان الجونة السينمائي 2025: خمسة أفلام مصرية لا تفوّت
الخبيزة – خضرة منسية في دولاب المطبخ المصري

في الريف والصعيد، كانت الخبيزة من الأكلات التقليدية التي تزيّن الموائد، لكنها اليوم تكاد تختفي من بيوت المصريين. هذا النبات الأخضر يشبه الملوخية من حيث الشكل، لكنه يختلف في طريقة التحضير.
تعتمد وصفة الخبيزة على تقطي أوراقها مع الشبت والكزبرة، ثم تسلق في شوربة دجاج أو لحم، وبعد التسوية تضرب في الخلاط لتتحول إلى خليط ناعم. يُضاف هذا الخليط إلى الأرز المسلوق، وعند اكتمال النضج يزين بالبصل والثوم المحمر في الزيت.
لا تفوّت قراءة: عمرو دياب كما لم تعرفه من قبل.. أسرار البدايات الفنية للهضبة قبل النجومية
سد الحنك (العصيدة المصرية) – حلوى بسيطة بطعم غني
سد الحنك يعتبر من الحلويات العربية المنشأ والأصل، يشبه العصيدة لكنه تطور وأصبح من الحلويات الشعبية الشائعة والمحبوبة في مصر.
يتكون من الطحين (الدقيق)، قليل من السكر، والماء. وتحضر هذه الحلوى عبر تحميص العجين في الزيت أو القليل من السمن.
ثم يسكب عليه الماء المحلّى بالسكر. يُؤكل الطبق باردًا، ويتمتع بمذاق طيب ورائحة رائعة تذكر الناس بأيام الزمن الجميل.
لا تفوت قراءة: كواليس فيلم “حتى لا يطير الدخان”: حكايات مثيرة من خلف الكاميرا
الويكا – سر الطشة ونكهة الصعيد
الويكة تعد واحدة من أهم الأكلات التقليدية في صعيد مصر، حيث اشتهر بها أهل الجنوب وتمسكوا بها عبر الأجيال.
وعلى الرغم من أن مكونها الأساسي هو البامية، إلا أن طريقة إعدادها مختلفة تمامًا عن طبق البامية المعتاد بالصلصة.
السر في الويكة يكمن في “الطشة”، وهي مزيج من السمن، الكزبرة، الثوم، والفلفل. تقطع البامية شرائح رفيعة وتطهى في شوربة اللحم حتى الغليان، ثم تضاف إليها الطشة وتُرك حتى تنضج تمامًا. تقدم عادة مع الأرز الأبيض أو الخبز، لتصبح وجبة متكاملة ذات مذاق خاص.
ورغم أن هذه الأكلة أوشكت على الاختفاء من موائد المصريين، إلا أن فوائدها وذكرياتها تجعلها جديرة بالعودة من جديد، ويقال أن كيلوباترا كانت تعشق البامية الويكا وأنه طعام الملوك وصولًا لكتابته على جدران المعابد.

لا تفوّت قراءة: أين تمارس اليوجا في القاهرة؟ دليل لأرقى أماكن التمرين الذهني والجسدي
حلاوة شعر.. حلوى الطفولة المخلوطة بالذكريات
ارتبطت حلاوة الشعر بذكريات الطفولة في الموالد والأسواق، حيث كانت تباع للأطفال بألوانها الزاهية وخيوطها الرفيعة التي تشبه الشعر.
وما زالت هذه الحلوى تحتفظ بمكانة خاصة في قلوب الكبار قبل الصغار وفي ساندوتشات المدرسة، لأنها تحمل عبق الماضي.
سكر أبيض وماء وعصير ليمون ونشاء وخلطه معًا وعندما يصبح قوامه يشبه الكراميل ويبرد تبدأ في العجن وبرم مرات متكررة حتى يتحول لخيط يشبه خيوط الشعر

لا تفوّت قراءة: أين تمارس اليوجا في القاهرة؟ دليل لأرقى أماكن التمرين الذهني والجسدي
البصارة.. أكلة شعبية محبوبة دائمًا

تعتبر البصارة من الأكلات المصرية الشعبية الأصيلة التي ورثها المصريون منذ آلاف السنين، وارتبطت بالمنازل الريفية البسيطة.
كانت ولا تزال أكلة الفلاحين الأساسية، خاصة في القرى، لما تتميز به من قيمة غذائية عالية وسهولة في الإعداد، ولكن ربما اختفت قليلًا من الأجواء القاهرية ولم يعرفها حتى الأجيال الجديدة (جيل زد).
الطريقة باختصار: يسلق الفول مع الخضرة حتى ينضج تمامًا، ثم يضرب في الخلاط ليصبح قوامه ناعمًا. يُضاف له الثوم والبصل المحمر في الزيت مع الكزبرة والكمون.
ثم يترك على النار قليلًا حتى يتجانس. غالبًا ما تقدم البصارة باردة مع الخبز البلدي أو الشمسي الذي سنتطرق له في السطور القادمة.
لا تفوّت قراءة: اكتشف أفضل 8 براندات مصرية للملابس الرياضية.. أناقة وراحة لا تُضاهى
الخبز الشمسي.. تراث الصعيد الأصيل

الخبز الشمسي من أبرز ملامح المطبخ الصعيدي الأصيل، كان طقس أساسي عند المصريين القدماء وكتب على الجدران والمعابد حتى اقتنصه أهل الصعيد حتى الآن.
ويسمى بهذا الاسم لأنه يُرك ليختمر في الشمس قبل خبزه في الأفران الطينية. هذا الخبز ليس مجرد طعام، بل هو طقس اجتماعي تشترك فيه النساء والفتيات داخل البيوت الريفية.
طريقته باختصار يعجن الدقيق بالماء والملح والخميرة حتى تتكون عجينة متماسكة، ثم تشكل أرغفة مستديرة وتترك في الشمس حتى تختمر طبيعيًا. بعدها تخبز في فرن الطين أو على “الكانون”، لتعطي رغيفًا برائحة مميزة وقوام هش ولذيذ
ولا ننسى مرحلة رسم الرقم 11 والخط الدائري، وهو موروث فرعوني يرمز به إلى الإله (رع) الذي يوحي إلى قرص الشمس.

هناك أطباق مصرية أخرى كثيرة على وشك الاندثار أصبحنها لا نسمع عنها إلى في نطاقها الضيق مثل المخمخ، اللصيمة، والشلولو.