في مطلع التسعينيات، وتحديدًا عام 1992، أبصر فيلم “آيس كريم في جليم” النور، ليصبح أيقونة سينمائية خالدة ومرآة لروح جيل كامل.
وسط موجة التغيير العالمي وصعود موسيقى الهيب هوب، جاء الفيلم ليحكي قصة شاب متمرد على واقعه، يسكن جراجًا خشبيًا صغيرًا في شارع 9 بالمعادي، ويلاحق حلمه في الغناء والشهرة والحرية.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، نعود إلى هذا العمل الاستثنائي لنفتح خزائن ذكرياته، ونكشف أسرار كواليس فيلم “آيس كريم في جليم” كما لم تُروَ من قبل، على لسان أبطاله وصنّاعه، مع حكايات وطرائف وراء الكاميرا صنعت أسطورة التسعينيات.
لا تفوّت قراءة: الناشئ حسن نجم البنك الأهلي الصاعد.. حلمه ريال مدريد وخطاه تشبه محمد صلاح
“آيس كريم في جليم”.. شخصية الفيلم خليط بين عمرو دياب وجيمس دين
يتحدث الكاتب مصطفى حمدي أن “آيس كريم في جليم” تحول إلى فيلم ملهم لعدد كبير من الناس، وأصبح أيقونة حقيقية بفضل تفاصيله الكثيرة.
سواء على مستوى قصة النجاح لشاب يحاول أن يحقق حلمه في الغناء ويصبح مشهورًا، أو من خلال الروح التي تعكس جزءًا من شخصية عمرو دياب الحقيقية، شاب قادم من مدينة ساحلية (بورسعيد) ويحاول إثبات نفسه في القاهرة.
كما يلفت حمدي النظر إلى التعاون الفني بين دياب والمخرج خيري بشارة، الذي أبدع في تكوين الشكل البصري والدرامي للفيلم، بما في ذلك مظهر الشخصية واللوك المستوحى من شخصية “جيمس دين” الشهيرة.
وهذا التأثير لم يقتصر على زمن الفيلم، بل امتد لاحقًا ليُلهم أعمالًا فنية أخرى. على سبيل المثال، أصدر الفنان أمير عيد أغنية بعنوان “جيمس دين” في فريق كايروكي.
كما حمل مسلسل “ريفو” ملامح مستوحاة من أجواء الفيلم وفرقة “شارع 9” التي ظهرت ضمن أحداثه.
ويرى حمدي أن تجربة “آيس كريم في جليم” لم تكن مجرد فيلم عابر، بل لحظة فنية ألهمت مشاريع لاحقة وأعادت تعريف ما يمكن أن يكون عليه “فيلم شبابي موسيقي درامي”.

لا تفوّت قراءة: من “الذوق العالي” إلى “نغزة”.. أشهر دويتوهات غنائية خطفت قلوبنا في العالم العربي
كيف تم اختيار عمرو دياب لدور آيس كريم في جليم؟ استفتاء بسيط من خيري بشارة
روى المخرج خيري بشارة كيف بدأ كل شيء بسؤال مباشر طرحه على الشباب من حوله في بداية التسعينيات ومع بداية ظهور الهضبة: “مين أكتر مطرب بتحبوه؟”، فكان الرد الجماعي: “عمرو دياب”.
لم يكن بشارة على معرفة عميقة بدياب في ذلك الوقت، لكنه بدأ في الاستماع إليه، فأعجب بصوته، ووجد فيه بساطة تذكره بعبد الحليم حافظ، كما أن شكله “لذيذ”، على حد وصفه، ففكر: “ليه لا؟”.
وهكذا قرر أن يخوض تجربة التعاون مع دياب، بشرط أن يخضع بالكامل لحالة الفيلم، وهو ما رحب به عمرو دون تردد، بل شارك في صنع هذه الحالة ودعمها.
لا تفوّت قراءة: هل تظن أن البحر هو كل شيء في الساحل الشمالي؟ اكتشف 8 تجارب ترفيهية مدهشة
خيري بشارة.. كيف جاءت له فكرة سكن “سيف”؟

في منشور طويل كتبه بشارة عن كواليس الفيلم في 2019 كشف عن رغبته وقتها في أن يُجسد سكن “سيف” بطل الفيلم (عمرو دياب) في جراج صغير في المعادي، لكنه أراد أن يبدو كأنه في نيويورك من حيث الألوان والضوء.
ماذا فعل يا ترى لتخيل المشهد؟ استعان بابنته “ميراندا”، التي كانت وقتها في الثامنة عشر، لترسم له تصورًا بصريًا لمكان الإقامة.
وهو ما نفذ حرفيًا على يد منسق المناظر زكي شريف، في أول عمل له.
الجدير بالذكر هو إنه تم إعادة إحياء فكرة جراج عمرو دياب في الفيلم خلال إعلان كان هو بطله في 2021، وظهرت تفاصيل الجراج في نفس المكان في المعادي.
كنت وقتها اتصل بالشباب لأعرف كيف يرون الحياة من حولهم وما يحبونه وما لا يحبونه، كنت أريد أن أعكس عالم الشباب بأحلامهم وقلقهم الحقيقي، ومن عالمي أطلقت أفراحي وإحباطاتي وتمردي.. الشباب هم الذين جعلوني أذهب صوب عمرو دياب الذي يعشقونه .. خيري بشارة

مدحت العدل عن كواليس فيلم آيس كريم في جليم: تم كتابته 3 مرات

الشاعر والسيناريست مدحت العدل، كاتب أغاني الفيلم وحواره، أوضح أن مشاركته بدأت بكتابة الأغنيات فقط، لكن سرعان ما طلب منه خيري بشارة أن يشارك في كتابة الحوار.
فكتب 10 مشاهد عرضها على بشارة والتلمساني، فأعجبا بها وطلبا منه استكمال السيناريو بالكامل. رفض المقابل المادي المقدم له.
واختار أن يشارك في المشروع دون أجر، فقط من أجل متعة التعاون الفني مع بشارة ودياب.
وحرص على كتابة السيناريو بأسلوب السينما الأجنبية التي يحبها، مستفيدًا من كونه جزءًا من الجيل الذي يُمثله الفيلم.
وأشار إلى أن الفيلم تم كتابته 3 مرات وفي كل مرة دفعوا تكاليف الكتابة، لكن الذين كتبوه كانوا من جيل يختلف عن جيل عمرو دياب وفرقته فلم يستطيعوا أن يصلوا إلى روحهم.
لا تفوّت قراءة: التين الشوكي كما لم تتذوقه من قبل.. 6 وصفات لذيذة ومبتكرة لا تُفوّت
كيف وقع الاختيار على سيمون؟ السر في “ميراندا”

أما عن اختيار الفنانة سيمون، فكان اختيارها نابعًا من فتنة خاصة أبدتها ابنة خيري بشارة “ميراندا” كانت ترى فيها صوتًا وصورةً قريبة من عالمها ومشاعرها.
وميراندا كانت متحمسة لدرجة دفعته فعلاً للتفكير في سيمون كممثلة ومغنية في آن واحد، وكان ذلك سببًا رئيسيًا في إسناد الدور لها.
من الاستفتاءات إلى الستوريز.. أشهر محطات الخلاف بين تامر حسني وعمرو دياب عبر السنوات
ما هي سر عبارة “السباحة في الضوء؟” وجملة ” التركيبة الغنائية والدرامية والأسلوبية والإخراج” على التتر؟

كان خيري بشارة يُردد عبارة “السباحة في الضوء” كمبدأ بصري أساسي لتوزيع الإضاءة، استلهم منها مدير التصوير طارق التلمساني أسلوب العمل.
كانت عبارة تنبع من إحساس داخلي، أكثر من كونها توجيهًا تقنيًا. وطوال مراحل التصوير، كان طارق في كثير من الأحيان يدندن هذه العبارة (السباحة في الضوء) بينما يوزع الإضاءة.
أما بالنسبة لجملة “التركيبة الغنائية والدرامية والأسلوبية والإخراج” صرح بشارة أنها هي المرة الوحيدة التي يضع فيها اسمه على لتترات المقدمة.
لتقول بصراحة: التركيبة الغنائية والدرامية والأسلوبية والإخراج.. خيري بشارة.” ربما لم ينتبه لها أحد ولكنها كانت ذات مغزى.

رصيف نمرة 5.. الأغنية الأشهر في التسعينيات والتي كُتبت “على الرصيف”
يحكي الكاتب مدحت العدل عن قصة أغنية “رصيف نمرة خمسة” لعمرو دياب، ويعود بالذاكرة إلى ما قبل تعرّفه على المخرج الكبير خيري بشارة.
حين كان الأخير قد طلب من مجموعة من الشعراء أن يكتبوا أغنية عن القاهرة لتكون ضمن أغنيات فيلم آيس كريم في جليم. فكتب كل شاعر عملًا مختلفًا، لكن لم يلقَ أي منها استحسانه أو يعبر عن الرؤية التي يتخيلها.
لاحقًا، وبالصدفة، تعرف الكاتب على خيري بشارة عن طريق عمرو دياب. وحينها طلب منه خيري كتابة أغاني الفيلم، قرر أن يبدأ بالأغنية التي يؤمن بها أكثر من أي شيء في تلك اللحظة، وكانت تلك هي “رصيف نمرة خمسة”.
اتفق مع خيري على أن يلتقيا بعد أسبوع في منزل الصديق حسين الإمام، حيث يكون قد انتهى من الكتابة. لكن الأسبوع مرّ دون أن يكتب حرفًا واحدًا، وقرر أن يذهب للاعتذار وطلب مهلة جديدة.
وأثناء الطريق، فجأة، انبثقت القاهرة بكل ملامحها أمام عينيه: الزحام، المقاهي، لافتات الإعلانات، والمصريين الذين يملؤونها بصخبهم وروحهم ونكاتهم.
وجد نفسه يحضر ورقة وقلمًا، وبدأ يكتب على الرصيف، يتوقف ليسجل كوبليه ثم يمشي ويكتب آخر، حتى انتهت الأغنية في الطريق.
حين وصل إلى بيت حسين الإمام، ألقى الأغنية في حضور حسين وخيري وعمرو، ولدهشته، نالت إعجابهم الكبير. بدأ حسين بتلحينها، لكن عمرو دياب قال إنها لا تُلحن إلا على طريقة الشيخ إمام.
وفعلًا، لحنها في نصف ساعة، لتتحول إلى واحدة من أكثر الأغاني تميزًا في الفيلم.