نفرتيتي ليست مجرد ملكة؛ بل أيقونة للجمال والفن الراقي في تاريخ مصر القديم، ما يجعله تحفة فنية تخطف الأبصار.
لكن قصة نفرتيتي تحمل فصولًا مثيرة عن تنقيب أثري معقد وإخفاء مقصود لقيمتها الحقيقية الفريدة النادرة.
هذه التحفة التي تجسد عظمة فن العمارنة أصبحت محور صراع تراثي دولي لم ينته بعد، لذلك، كيف جرت عملية خروج تمثال نفرتيتي من مصر؟.
الكشف عن هذه الأسرار يعيدنا إلى بدايات القرن العشرين والبحث عن الذهب والتراث القديم، إليك القصة بتفاصيل عميقة منذ بدايتها.
لا تفوت قراءة: هدية مصر للعالم.. إشادات عالمية وجوائز دولية حصدها المتحف المصري الكبير
نفرتيتي.. جمال خلدته الأزمان

تمثال نفرتيتي النصفي المتقن صنع في عام 1340 قبل الميلاد، في العصر الذهبي للأسرة الثامنة عشرة وأوج حكم الفرعون أخناتون.
وهذه القطعة، صنعت من قلب صلب من الحجر الجيري ثم غُطيت بطبقة جميلة من الجبس الملون، ما يظهر مهارة نحاتي العصر العمارني.
ترتدي الملكة في التمثال غطاء رأس أسطواني أزرق بارتفاع 48 سم، ووزن 20 كيلوجرامًا، حتى بقي محفوظًا بشكل جيد رغم وجود تلف بسيط في أذني الملكة.
كما يعد هذا التمثال أهم تمثيل باقٍ لزوجة الفرعون أخناتون في العصر العمارني الفني، لذا كان هدفًا لبعثة التنقيب الألمانية.
لا تفوت قراءة: الجيزة والخليل الفلسطينية يتلألآن.. 7 مدن عربية تضيء شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية
ديسمبر 1912.. لحظة الاكتشاف

حدث الاكتشاف التاريخي لرأس الملكة نفرتيتي يوم 6 ديسمبر عام 1912، في نقطة تحول كبيرة بتاريخ الآثار المصرية آنذاك.
وقادت البعثة الألمانية عملية الاكتشاف تحت إشراف عالم الآثار الألماني لودفيج بورشاردت، بتمويل من رجل الأعمال الألماني جيمس سيمون.

وفي ورشة النحات الملكي تحتمس بتل العمارنة، عثر على التمثال مع مجموعة كبيرة أخرى من التماثيل النصفية للملكة.
وصف بورشاردت هذا التمثال في مذكراته بأنه “أفضل الأعمال الفنية المصرية الباقية”، ما يفسر الإجراءات المريبة التي اتبعها لاحقًا لتملكه.
لا تفوت قراءة: منتجعات وفنادق بيئية فاخرة في مصر.. استكشف أروع الإيكولودجز لقضاء عطلة فاخرة ومستدامة
قانون القسمة.. أساليب مدروسة نقلته للخارج

قانون القسمة لعام 1913 كان يوجب تقاسم الاكتشافات الأثرية بين البعثات الأجنبية ومصر بالتساوي، كأساس قانوني لعمليات التنقيب الأجنبية.
ولاحقًا، كشفت وثائق الشركة الألمانية عزم بورشاردت على ضم التمثال الأيقوني لألمانيا، حتى خطط لإخراجه قبل موعد اجتماع القسمة الرسمي.
ويوم 20 يناير 1913، عقد اجتماع القسمة بين بورشاردت ومفتش الآثار جوستاف لوفيفر، وكان الأخير هو المسؤول الأول عن الموافقة النهائية لتقسيم الآثار المكتشفة.
في حين كانت القوانين تمنع تصدير أي قطعة أثرية ثمينة مصنوعة من الحجر الجيري الجيد، ما دفع بورشاردت لتمريره في الخفاء.
لا تفوت قراءة: لا تبحث كثيرا.. أجمل 5 وجهات مصرية لقضاء إجازة شتوية مميزة لعشاق الطبيعة والهدوء
كيف خرج تمثال نفرتيتي من مصر؟

لإخفاء قيمة التمثال الحقيقية، عرض بورشاردت صورة ذات إضاءة سيئة على المفتش لوفيفر، كجزءمن خطته لإظهاره كقطعة ثانوية.
وبذلك، أخفى التمثال الثمين داخل صندوق أثناء زيارة المفتش لوفيفر للموقع الأثري، ولم يسمح للمفتش بمعاينته بنفسه للتحقق من قيمته.
وحينها ادعى أن التمثال مصنوع من الجبس الرديء للتقليل من أهميته الأثرية، مع أن قلب التمثال من الحجر الجيري الممنوع تصديره.
هكذا، تمكن من خداع جوستاف لوفيفر ببراعة، ما أدى إلى خروج تمثال نفرتيتي من مصر منذ ذلك الحين.
لا تفوت قراءة: عزة فهمي.. 3 جنيهات صنعت أسطورة في عالم المجوهرات وزينت مشاهير العالم
الوصول والجدل.. برلين 1913-1924

بعد توقيع القسمة واعتمادها من مدير مصلحة الآثار جاستون ماسبيرو، شُحن التمثال لألمانيا، حتى أنهت هذه الموافقة الوجود الشرعي لتمثال نفرتيتي النصفي على الأراضي المصرية.
وفي نفس العام 1913م، وصل تمثال الملكة نفرتيتي إلى برلين، بعد فترة قصيرة من اكتشافه، ما أكد رغبة بورشاردت القوية في إبعاد التمثال عن المراجعة.
وفي البداية، عرض التمثال بمنزل رجل الأعمال جيمس سيمون الذي مول حملة التنقيب، وظل بحوزة سيمون لمدة تقارب 12 عامًا قبل عرضه للجمهور.
ولم يعرض للجمهور إلا في عام 1924م في متحف نيو برلين، حيث لا يزال مستقرًا، لذلك، وصلت قيمته التأمينية نحو 390 مليون دولار في 2009.
لا تفوت قراءة: دليلك الكامل لمونوريل القاهرة.. شبكة عنكبوتية تسهل وصولك إلى كل مكان في لمح البصر!
ما لغز العين الواحدة لتمثال نفرتيتي؟

إحدى عيني التمثال مرصعة بالكريستال، بينما تظل العين اليسرى غائبة غير مكتملة، ما أثار جدلاً طويلاً حول سبب عدم اكتمال هذه التحفة النادرة.
اتفق عديد من الباحثين أن هذا النقص لم يكن صدفة، بل تُرِك متعمدًا من النحات تحتمس، ولم يُعثر على العين المفقودة رغم بحث شامل وجوائز مالية كبيرة لمن يجدها.
لذلك، يرى عالم الآثار الدكتور زاهي حواس، أن تحتمس صنعه نموذجًا لتدريب الفنانين على رسم وجه الملكة الجانبي، أي كنموذج تعليمي وليس تحفة نهائية.
وحتى اليوم، لم تنقطع المطالبات المصرية لاستعادة هذا الرمز الذي خرج بطريقة غير شرعية من البلاد.

